كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الحكم الشرعي إذا كان المتحاكمون معاهدين كما في هذه الآية فالحاكم مخيّر بين أن يقضي بينهم وبين ألّا يقضي، لأن المعاهدين غير ملزمين بأحكام المسلمين أما غيرهم فيجب على الحاكم أن يحكم بينهم سواء كانوا كافرين أو ذميين أو مسلمين أو مخالفين ويجب أن يكون الحكم بمقتضى ما أنزل اللّه.
قال تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ} الرجم للزاني المحصن كغيره من الأحكام الأخر المتعلقة بأمر دينهم ودنياهم وآخرتهم {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ} عن حكمك الموافق لما في كتبهم ويعرضون {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} التحكيم الذي لجأوا اليه ورضوا به، وهذا تعجيب من حالهم لأنهم يعلمون يقينا أن الزاني المحصن يرجم بنص التوراة ثم يطلبون من حضرة الرّسول أن يحكم لهم بخلاف ما شرعه اللّه له ولأمته الموافق لما في التوراة، ولذلك كان يحكم في الرّجم وهو لا ينطق ولا يتأول ولا يفعل شيئا عن هوى، ولكن لا عجب لأنهم لا يصدقون بكتابك ولا يؤمنون بك وانهم يحكمون على ما يلائم المصلحة بحسب الأشخاص {وَما أُولئِكَ} الّذين هذه حالتهم {بِالْمُؤْمِنِينَ 43} بكتابهم ولا نبيهم، فلو آمنوا بها لآمنوا بكتابك، لأن الحكم بالكتابين واحد، فلا معنى إذا لقولهم إنهم آمنوا بالتوراة وبموسى، لأن من مقتضى الإيمان بهما الإيمان بك وبكتابك.
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ} لمن اتبعها وآمن بها فتكشف له الشّبهات وتوضح له المشكلات، وكان {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} لحكم اللّه فيها كموسى وهرون ومن بعدهما إلى زمن محمد صلّى اللّه عليه وسلم {لِلَّذِينَ هادُوا} أي اليهود، وسموا بذلك لقولهم {إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ} الآية 156 من الأعراف في ج 1 وفي قوله تعالى: {أَسْلَمُوا} إشارة إلى أن الأنبياء لم يكونوا يهودا ولا نصارى بل كانوا مسلمين على ملة ابراهيم عليه السّلام، راجع الآية 67 من آل عمران المارة {وَالرَّبَّانِيُّونَ} الزهّاد التحصين في العبادة، راجع الآية 80 من آل عمران أيضا يحكمون بها {وَالْأَحْبارُ} أيضا جمع حبر بفتح الحاء وكسرها العلماء والعارفون {بِمَا اسْتُحْفِظُوا} أوئتمنوا واستودعوا {مِنْ كِتابِ اللَّهِ} وقد أخذ عليهم العهد أن يحفظوا كتابه ويعلّموه النّاس ويقضوا فيه بينهم {وَكانُوا} أولئك الأنبياء والرّبانيّون والأحبار {عَلَيْهِ شُهَداءَ} بأن كتاب اللّه حق وصدق أنزله على موسى {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ} لتعملوا بأحكام اليهود وتكتموا ما في كتاب اللّه من أجلهم ولأجل نفعكم منهم {وَاخْشَوْنِي} أنا اللّه القادر على عقابكم إن خالفتم {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} من الرشاء الذي تأخذونه وحب بقاء الرّئاسة والجاه، فتستبدلوا بآياتي غيرها، أو تحرفوا بعضها، أو تغيّروا معناها بهتا منكم وافتراء علي، واحكموا بما أنزلت عليكم في التوراة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} جحودا وكفرانا {فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)} بموسى والتوراة وبعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن.
قال تعالى: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} تقتل إذا قتلت غيرها عمدا، وبهذه الآية استدل بعض العلماء على أن الرّجل يقتل بالمرأة وعدها ناسخة لقوله تعالى: {الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} الآية 179 من البقرة المارة، مع أن هذه الآية حكاية حال عما في التوراة وخبر من الأخبار فيها، والأخبار لا تكون ناسخة للأحكام، وعلى هذه لا يقتل الرّجل بالمرأة، ولا الحرّ بالعبد، والآية في هذا محكمة غير منسوخة البتة، ودعوى من ادعاه لا قيمة له للسببين المذكورين أعلاه، ولكن العمل الآن في المحاكم على هذه الآية 45 من هذه السّورة، والحق أن يكون العمل على آية البقرة 179 لأن هذه الآية 45 عبارة عن اخبارنا بما كتبه اللّه على بني إسرائيل ليس إلا، وليس كلّ ما فرضه عليهم نكلف به لأن شريعتنا جاءت ناسخة لما قبلها في كلّ ما يخالفها، فما وافق شرعنا عملنا به، وما خالفه فلا، تأمل.
{الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} تفقا {وَالْأَنْفَ} يجدع {بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ} تقطع {بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ} تقلع {بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ} فيما يمكن أن يقتص من الجارح كاليد والرّجل والذكر والأنثيين، أما فيما لا يمكن فيه كالرّض والجرح في البطن والكسر الملتئم وبقية الجراحات مما لا يمكن إجراء القصاص فيها ففيها حكومة عدل، إذ قد يخاف التلف في اجراء القصاص، فيخرج عن كونه قصاصا كما أمر اللّه، ويسمى ما دون الدّية هكذا جروح ارشا، وهذا التعميم يعد تخصيصا لأن الجروح تعم الكل {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ} أي القصاص فعفى عن أخيه {فَهُوَ} التصدق المراد به العفو {كَفَّارَةٌ لَهُ} عن ذنوبه التي كان اقترفها قال عليه الصّلاة والسّلام من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولدته أمه.
وأخرج الترمذي عن أبي الدّرداء قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول ما من رجل يصاب بشيء من جسده فيتصدّق به إلا رفعه اللّه درجة وحط عنه به خطيئة.
وأخرج أبو داود والنّسائي عن أنس قال ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم رفع اليه بشيء فيه قصاص إلّا أمر فيه بالعفو {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} أنفسهم وأتباعهم وقدمنا ما يتعلق بالقصاص في الآية 179 من البقرة فراجعها وقدمنا أنواع القتل والدّيات في الآيتين 92 و93 من سورة النّساء المارة فراجعها.
قال تعالى: {وَقَفَّيْنا} عقبنا واتبعنا {عَلى آثارِهِمْ} أي النّبيّين {بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ} وكلّ ما هو أمام الرّجل هو بين يديه {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ} معدلا لبعض أحكامها، يوافق عصره ويصلح لأمته {فِيهِ هُدىً} للناس وتخفيف على أمته وتيسييرا لما هو عسير وتسهيل ما هو شاق {وَنُورٌ} يستضيء به من آمن وصدق بعيسى في زمانه حتى بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلم {وَمُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ} ولا تكرار هنا لأن ضمير مصدقا في الآية الأولى يعود إلى عيسى، وفي هذه يعود إلى الإنجيل {وَهُدىً} يهتدي به من اتبع أحكامه إلى طريق الصّواب، ولأن فيه بشارة بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم يهتدي بها ممن وفقه اللّه للسداد {وَمَوْعِظَةً} لما فيه من الأمثال والزواجر والعبر {لِلْمُتَّقِينَ (46)} لأنهم هم الّذين ينتفعون فيه {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} على أنفسهم وغيرهم على السّواء {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} (47) الخارجون عن الطّاعة المتجاوزون حدود اللّه.
أخرج مسلم عن البراء بن عازب قال أنزل اللّه تبارك وتعالى ومن لم يحكم ومن لم يحكم ومن لم يحكم إلخ الآيات في الكفار كلها.
وقال العلماء إن الآيات المذكورات نزلت في الكفار وفيمن غير حكم اللّه من اليهود ومن ترك الحكم بكتاب اللّه ردا لكتاب اللّه، ومن يدل حكم اللّه وحكم بغيره عمدا مختارا فيخرج المخطئ والسّاهي والمكره، ويفسق غير الجاحد، وهذا هو الموافق لعموم الآيات، فكان في الحديث الأوّل اقتصار، وجاء التخصيص فيما أخرج أبو داود عن ابن عباس أنها أي تلك الآيات في قريظة والنّضير خاصة.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ} يا سيد الرّسل {الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ} آل فيه للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرها {وَمُهَيْمِنًا} شاهدا {عَلَيْهِ} أي الكتاب المذكور الدّاخل في معناه جميع الكتب الإلهية المنطوي على معانيها كافة ومما يدل على أن مهيمنا بمعنى شاهد ما قاله حسان:
إن الكتاب مهيمن لنبيّنا ** والحق يعرفه ذو الألباب

ويأتي بمعنى آمين أيضا وله معان أخر ذكرناها آخر سورة الحشر المارة {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} يا سيد الرّسل أي بين أهل الكتاب إذا تخاصموا عندك عفوا من أنفسهم دون تكلف وطلب منك كما تحكم بين قومك {بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} عليك فيه {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} أي اليهود برجم الضّعيف وجلد القوي والشّريف إذا زنيا كما يدون بل أجر على كلّ أحد من المحصنين الرّجم مهما كان، وإياك أن تنحرف {عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} في هذا الكتاب كما فعل اليهود، وهذا الخطاب وإن كان موجها لحضرة الرّسول إلّا أنه مراد به غيره من الأمة كما سبق تنفيده في سورة الزمر الآية 65 ج 2 وغيرها هو ممائل لهذا، لأن إيقاع أهواء اليهود وغيرهم محال عليه صلّى اللّه عليه وسلم ولكنه خاطبه به على طريق الإلهاب ليتعظ الغير به {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ} أيها اليهود والنّصارى والإسلام {شِرْعَةً} ترجعون إليها في أموركم الدّينية فيما بينكم وبين ربكم والدّنيوية فيما بينكم وبين غيركم من جميع النّاس على الإطلاق {وَمِنْهاجًا} طريقا واضحا نسلكونه في أحكامكم وأموركم يؤدي بكم للفوز والنّجاح في الدّنيا والآخرة، فقد جعل اللّه تعالى التوراة والإنجيل والقرآن شرائع لخلقه أحل لهم ما شاء، وحرم عليهم ما شاء، وأمرهم بالعمل بها ليعلم من يطيعه منهم ممن يعصيه ويظهر ذلك للناس لأنه جل جلاله عالم من قبل، بما يقع منهم من طاعة وعصيان وكفر وإيمان ويعلم أن الدّين كله واحد وأصوله واحدة، وهي التوحيد للّه وتصديق الرّسل والاعتراف بالمعاد، وإن جميع الأديان السّماوية من لدن آدم إلى آخر الدّوران ترجع إلى هذه الأصول، وإن طرق الرّسل واحدة وإرشادهم لهذه الأصول واحدة ودعوتهم واحدة لا تباين ولا تخالف فيها، لأن المرسل واحد، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا...} وقال تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} وأمر بعدم التفرق راجع الآيات 90 من الأنعام و13 و52 من الشّورى والمؤمنين في ج 2 و156 من الأعراف ج 1 و162 من النّساء المارة وما تشير إليها من المواقع، وإن ما جاء على زعم من لا خلاق له من التباين هو في فروع الدّين لا في أصوله وأن اللّه تعالى له أن يتعبد عباده بما شاء لما شاء في كلّ وقت {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} على شريعة واحدة ودين واحد، ونظير هذه الآية الآية 119 في سورة هود في ج 2 أي متفقين لا مختلفين {وَلكِنْ} لم يشأ ذلك، وإنما جعلكم باختلاف وتفرق في أمر الدّين {لِيَبْلُوَكُمْ} يختبركم وليمتحنكم {فِي ما آتاكُمْ} من الشّرائع وتعبدكم بها بمقتضى حكمته فيها من الاختلاف في معالم الدّين وفروعه المتباينة تخفيفا ونثقيلا ليبين للناس المنقاد لأمره كيف كان من المعرض عنه وفق ما هو ثابت في أزله تعالى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} يا أمة محمد بالأعمال الصّالحة المقربة إلى اللّه قبل انقضاء آجالكم لتنتهوا {إِلَى اللَّهِ} هو {مَرْجِعُكُمْ} ومصير جميع الخلق اليه {جَمِيعًا} إسلامكم ويهودكم ونصاراكم وكفاركم على اختلاف مللكم ونحلكم ويوم ترجعون إليه {فَيُنَبِّئُكُمْ} على رءوس الأشهاد في الموقف العظيم {بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (48) من الشّرائع وغيرها فيظهر إذ ذاك المحق من المبطل والموافق من المخالف والصّادق من الكاذب ظهورا مبينا لا شبهة فيه.
قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} عليك في هذا القرآن {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} بسائق شهواتهم النّفسية الرّديئة ذات المقاصد الدّنية {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} بما يرجونه منك من اجراء ما لا يرضي اللّه مما يخالف أحكامه التي أنزلها إليك فيميلوك {عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} فيحملوك على ترك العمل به أو بشيء منه مجاراة لأهوائهم الباطلة وهذا الخطاب لحضرة الرّسول على سبيل التوبة ويراد منه الزجر والرّدع للغير من أن يراجعوا حضرته بما يراه من الحق أو يطلبوا منه مراعاة بعضهم في الأحكام حسب مطامعهم العاطلة وآرائهم الباطلة، لأنه صلّى اللّه عليه وسلم معصوم من الافتتان بالكلية، راجع الآية 74 من سورة الإسراء في ج 1 {فَإِنْ تَوَلَّوْا} واعرضوا عنك ولم يرضوا بحكمك الذي أنزله اللّه عليك وأمرك بالعمل به لنفسك وغيرك {فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} وهو إرادتهم الحكم بغير ما أنزل اللّه فيعاقبهم عليها في الدّنيا كما عاقبهم على بعضها قبل بالقتل والأسر والسّبي والجلاء {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ} (49) خارجون عن طاعتنا متجاوزون حدودنا.
هذا ولم يختم اللّه تعالى هذه الآية الخاصة بأمة محمد بما ختم به الآية في أمة موسى والآيتين في أمة عيسى لأمر أراده اللّه فله الحمد والشّكر.
ولا تكرار في هذه الآية أيضا، لأن الأولى عدد 44 المارة كانت في مسألة الزنى، وهذه في قضايا القصاص والجروح إذ راجع رؤساؤهم حضرة الرّسول وقالوا يا محمد قد عرفت بأنا سادات قومنا وأشرافهم وإنا إن اتبعناك اتبعك كلّ اليهود وان بيننا وبين النّاس خصومات نريد أن نتحاكم إليك فيها، فإذا قضيت لنا عليهم آمنا بك وصدقناك، لأن قتلانا أفضل من قتلاهم، ولسنا سواء بالجروحات أيضا لأنها كانت بيننا على التضعيف، وذلك أنه كان بنو النّضير إذا قتلوا رجلا من قريظة أعطوهم ديته سبعين وسقا من التمر، وإن قتل بنو قريظة رجلا من النّضير أعطوهم مائة وأربعين، وكذلك الجراحات، فقال صلّى اللّه عليه وسلم إن القرض بالنضيري وفاء، لا فضل لأحدكم على الآخر فنهضوا وقالوالآنرضى بحكمك، فنزلت هذه الآية قطعا لأطماعهم من أن يراجعوه في مثلها على سبيل المنع ليعلموا أن ما أوصى اللّه إليه من الحدود واجبة التطبيق على الشّريف والوضيع، وإنه لا يزيغ عنه قيد شعرة، وإنه يقيمه على كلّ أحد على السّواء على حدّ كلكم من آدم وآدم من التراب.